سورة النحل - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قراءة العامة {تدعون} بالتاء لان ما قبله خطاب. روى أبو بكر عن عاصم وهبيرة عن حفص {يَدْعُونَ} بالياء، وهى قراءة يعقوب. فأما قوله: {ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ} فكلهم بالتاء على الخطاب، إلا ما روى هبيرة عن حفص عن عاصم أنه قرأ بالياء. {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً} أي لا يقدرون على خلق شيء {وَهُمْ يُخْلَقُونَ}. {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ} أي هم أموات، يعني الأصنام، لا أرواح فيها ولا تسمع ولا تبصر، أي هي جمادات فكيف تعبدونها وأنتم أفضل منها بالحياة. {وَما يَشْعُرُونَ} يعني الأصنام. {أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقرأ السلمى، {أيان} بكسر الهمزة، وهما لغتان، موضعه نصب ب {يُبْعَثُونَ} وهى في معنى الاستفهام. والمعنى: لا يدرون متى يبعثون. وعبر عنها كما عبر عن الآدميين، لأنهم زعموا أنها تعقل عنهم وتعلم وتشفع لهم عند الله تعالى، فجرى خطابهم على ذلك. وقد قيل: إن الله يبعث الأصنام يوم القيامة ولها أرواح فتتبرأ من عبادتهم، وهى في الدنيا جماد لا تعلم متى تبعث. قال ابن عباس، تبعث الأصنام وتركب فيها الأرواح ومعها شياطينها فيتبرءون من عبدتها، ثم يؤمر بالشياطين والمشركين إلى النار.
وقيل: إن الأصنام تطرح في النار مع عبدتها يوم القيامة، دليله {إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}.
وقيل: تم الكلام عند قوله: {لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} ثم ابتدأ فوصف المشركين بأنهم أموات، وهذا الموت موت كفر. {وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي وما يدرى الكفار متى يبعثون، أي وقت البعث، لأنهم لا يؤمنون بالبعث حثى يستعدوا للقاء الله.
وقيل: أي وما يدريهم متى الساعة، ولعلها تكون قريبا.


{إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
قوله تعالى: {إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} لما بين استحالة الاشراك بالله تعالى بين أن المعبود واحد لا رب غيره ولا معبود سواه. {فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} أي لا تقبل الوعظ ولا ينجع فيها الذكر، وهذا رد على القدرية. {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} أي متكبرون متعظمون عن قبول الحق. وقد تقدم في البقرة معنى الاستكبار. {لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ} أي من القول والعمل فيجازيهم. قال الخليل: {لا جَرَمَ} كلمة تحقيق ولا تكون إلا جوابا، يقال: فعلوا ذلك، فيقال: لا جرم سيندمون. أي حقا أن لهم النار وقد مضى القول في هذا في هود مستوفى. {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} أي لا يثيبهم ولا يثنى عليهم. وعن الحسين بن على أنه مر بمساكين قد قدموا كسرا بينهم وهم يأكلون فقالوا: الغذاء يا أبا عبد الله، فنزل وجلس معهم وقال: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} فلما فرغ قال: قد أجبتكم فأجيبوني، فقاموا معه إلى منزله فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم وانصرفوا. قال العلماء: وكل ذنب يمكن التستر منه وإخفاؤه إلا الكبر، فإنه فسق يلزمه الإعلان، وهو أصل العصيان كله. وفى الحديث الصحيح«إن المتكبرين يحشرون أمثال الذر يوم القيامة يطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم». أو كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تصغر لهم أجسامهم في المحشر حتى يضرهم صغرها وتعظم لهم في النار حتى يضرهم عظمها».


{وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} يعني وإذا قيل لمن تقدم ذكره ممن لا يؤمن بالآخرة وقلوبهم منكرة بالبعث {ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}. قيل: القائل النضر بن الحارث، وأن الآية نزلت فيه، وكان خرج إلى الحيرة فاشترى أحاديث كليلة ودمنة فكان يقرأ على قريش ويقول: ما يقرأ محمد على أصحابه إلا أساطير الأولين، أي ليس هو من تنزيل ربنا.
وقيل: إن المؤمنين هم القائلون لهم اختبارا فأجابوا بقولهم: {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} فأقروا بإنكار شيء هو أساطير الأولين. والأساطير: الأباطيل والترهات. وقد تقدم في الأنعام والقول في {ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} كالقول في {ماذا يُنْفِقُونَ} وقوله: {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ}. خبر ابتداء محذوف، التقدير: الذي أنزله أساطير الأولين.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10